الأمين العام للأمم المتحدة يحدد أولوياته لعام 2025 في مواجهة "شرور صندوق باندورا" التي أطلقتها البشرية
استعرض الأمين العام أولوياته لعام 2025 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن العالم اليوم في حالة من الاضطراب، وإن "أفعالنا - أو تقاعسنا - أطلقت العنان لشرور صندوق باندورا الحديث"، تبرز أربعة منها لأنها تمثل "في أفضل الأحوال تهديدات يمكن أن تعطل كل جانب من جوانب أجندتنا، وفي أسوأ الأحوال، تقلب وجودنا رأسا على عقب"، وهي الصراعات الجامحة، والتفاوتات المتفشية، وأزمة المناخ المستعرة، والتكنولوجيا الخارجة عن السيطرة.
جاء ذلك في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الأربعاء حيث حدد الأمين العام أولوياته للعام الجديد، مؤكدا على الحاجة الملحة إلى العمل الجماعي والتعاون الدولي لمعالجة التحديات الأكثر إلحاحا في العالم.
وفي الوقت الذي تحتفل فيه المنظمة بالذكرى الثمانين لتأسيسها، قال السيد غوتيريش إن الأمم المتحدة تمثل "الضمير العالمي" منذ إنشائها، وفي عالم "يبدو أنه عازم على التدمير، كانت منظمتنا قوة بناء". وقال إن المنظمة تعكس حقيقة أساسية مفادها أن "المشاكل العالمية تتطلب حلولا عالمية".
بدأ الأمين العام كلمته بسرد التقدم الذي أحرز مؤخرا في معالجة المشاكل العالمية الكبرى - مثل تعزيز تعليم الفتيات والاستثمارات في الطاقة النظيفة – وأشعة الأمل، وخاصة تلك التي تنبع من الشرق الأوسط حيث وصلت المفاوضات حول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة إلى مراحلها النهائية، وتمكن لبنان أخيرا من انتخاب رئيس بعد أكثر من عامين من الجمود.
وقال السيد غوتيريش إن روح الأمل هذه المتجذرة في العمل "يجب أن تدفعنا إلى الأمام"، مضيفا أن "الخبر السار هو أن لدينا الخطط اللازمة لمواجهة هذه التحديات. لسنا بحاجة إلى إعادة اختراع العجلة. نحن بحاجة إلى تحريك العجلة".
إعادة تشكيل الشرق الأوسط
وقال السيد غوتيريش إن الصراعات في جميع أنحاء العالم تتضاعف، وأن الانقسامات الجيوسياسية المتعمقة وانعدام الثقة "تصب الزيت على النار"، في حين بلغ التهديد النووي أعلى مستوياته منذ عقود، والإفلات من العقاب شائع.
وناشد الأمين العام بقوة الأطراف لإتمام صفقة لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن. وقال: "بالطبع لا شيء يمكن أن يبرر الهجمات الإرهابية التي شنتها حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ولا شيء يمكن أن يبرر المستويات الدرامية من الموت والدمار التي لحقت بالشعب الفلسطيني، حيث لم يكن هناك سقف للمعاناة ولا قاع للأهوال على مدى شهور".
وأضاف السيد غوتيريش: "في جميع أنحاء المنطقة، نشهد إعادة تشكيل للشرق الأوسط. والأمر الأقل وضوحا هو ما سيظهر".
وتساءل عما إذا كان سيتم اتخاذ إجراءات لا رجعة فيها لتحقيق حل الدولتين أم "سنرى بدلا من ذلك ضما ثابتا من قبل إسرائيل، وإنكار حقوق الشعب الفلسطيني وكرامته، وتدمير أي فرصة للسلام المستدام؟"
كما تساءل عما إذا كانت سوريا ستكون "منارة للأديان والتقاليد والمجتمعات المختلفة التي تشكل مستقبلا شاملا وحرا وسلميا"، أو تقع في التفتت، وما إذا كانت إيران ستتخذ إجراءات ملموسة لضمان التخلي الواضح عن أي برنامج للأسلحة النووية، أم سنرى تصعيدا "بعواقب لا يمكن التنبؤ بها".
وقال: "في جميع أنحاء المنطقة، يجب أن نحرم المتطرفين من حق النقض ضد مستقبل سلمي".
وفيما يستعد للمغادرة الليلة إلى لبنان، أكد الأمين العام أن "نافذة انفتحت لزمن جديد من الاستقرار المؤسسي، مع دولة قادرة تماما على حماية مواطنيها، ونظام يسمح للإمكانات الهائلة للشعب اللبناني بالازدهار". وقال إن المنظمة ستبذل قصارى جهدها لإبقاء هذه النافذة "مفتوحة على مصراعيها - نافذة تسمح لكل من اللبنانيين والإسرائيليين بالعيش في أمان".
وقال إن هناك أيضا "عالما من الألم يتجاوز الشرق الأوسط"، بما في ذلك في أوكرانيا والسودان ومنطقة الساحل وهايتي والعديد من الأماكن الأخرى.
وقال: "من ميانمار إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى اليمن وما هو أبعد من ذلك بكثير، يجب أن نستمر في العمل من أجل السلام"، بما في ذلك من خلال تعزيز الالتزامات التي تم التعهد بها في ميثاق المستقبل، بما في ذلك من خلال منع الصراعات وبناء السلام، وتعزيز حفظ السلام، وإشراك المرأة وغيرها من التعهدات.
معالجة التفاوتات
قال السيد غوتيريش إن التفاوتات الهائلة هي "إشارة لا لبس فيها إلى أن هناك خطأً عميقا" في الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمالية العالمية.
وقال إن التفاوتات يمكن التغلب عليها، بدءا بتسريع العمل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة حيث إن أقل من خمسة هذه الأهداف ما زالت على مسارها، فيما تواجه الخطة فجوة تمويل سنوية تبلغ أربعة تريليونات دولار.
دعا إلى التركيز على المجالات ذات التأثير العالي مثل القضاء على الفقر، والأمن الغذائي، والتعليم الجيد للجميع، والحماية الاجتماعية، والتغطية الصحية الشاملة، والوصول إلى الطاقة، والرقمنة، والحد من التأثيرات المناخية. وشدد على أهمية معالجة احتياجات أفريقيا على وجه الخصوص، ودعا إلى دعم واضح لتحفيز أهداف التنمية المستدامة لسد فجوة التمويل.
كما دعا إلى إصلاح وتحديث المؤسسات المالية العالمية لتعكس اقتصاد اليوم، وضمان التمثيل العادل للدول النامية. وقال: "يجب علينا أيضا مكافحة التفاوتات من خلال إصلاح وتحديث مؤسسات التمويل العالمي لتمثل اقتصاد اليوم - وليس اقتصاد عام 1945. يجب تمثيل البلدان النامية بشكل عادل في حوكمة المؤسسات التي تعتمد عليها".
وشدد السيد غوتيريش على الحاجة إلى تعزيز شبكة الأمان العالمية، وزيادة قدرة الإقراض للبنوك الإنمائية المتعددة الأطراف، وضمان نشر التمويل الميسر حيث تشتد الحاجة إليه.
كما دعا إلى توسيع الفرص للنساء والفتيات في سعي العالم لمعالجة التفاوتات، بما في ذلك إزالة جميع الحواجز القانونية والاجتماعية والاقتصادية، وضمان مشاركتهن وقيادتهن على قدم المساواة.
تهديد وجودي
وقال السيد غوتيريش إن "صندوق باندورا" أطلق العنان أيضا لأزمة المناخ التي تدمر عالمنا، كما تجلى مؤخرا في لوس أنجلوس.
وتساءل: "من يدفع ثمن الدمار المناخي في جميع أنحاء العالم؟ ليست صناعة الوقود الأحفوري التي تجني الأرباح وإعانات دافعي الضرائب بينما تسبب منتجاتها الفوضى. إن الناس العاديين يعانون في حياتهم وسبل عيشهم، وأقساط التأمين الباهظة، وفواتير الطاقة المتقلبة، وأسعار المواد الغذائية المرتفعة، وخاصة الأكثر ضعفا، الذين هم الأقل ذنبا في إطلاق العنان هذا الدمار".
ودعا إلى التخلص السريع والعادل من الوقود الأحفوري، وأكد على أهمية تمويل المناخ، بما في ذلك تنفيذ اتفاق مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP29) بشأن التمويل، وتعبئة الدعم للتحولات العادلة في مجال الطاقة.
وقال: "الحسابات واضحة: يجب أن تبلغ الانبعاثات العالمية ذروتها هذا العام ثم تنخفض بسرعة بعد ذلك إذا أردنا أن يكون لدينا بصيص أمل في الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية على المدى الطويل إلى 1.5 درجة".
وحث السيد غوتيريش البلدان على تقديم خطط عمل مناخية وطنية جديدة تتوافق مع هذا الهدف، ودعا إلى أهداف واضحة لخفض إنتاج واستهلاك الوقود الأحفوري. وأضاف: "لا يمكن كسب معركة 1.5 درجة دون التخلص السريع والعادل والممول من الوقود الأحفوري في جميع أنحاء العالم".
تسخير التكنولوجيا من أجل الخير
وفي حين أقر الأمين العام بالفرص غير المسبوقة التي تقدمها الثورة التكنولوجية، قال إننا نتحمل مسؤولية تاريخية للتأكد من أن هذه الثورة "تفيد البشرية، وليس فقط قِلة من المتميزين".
ودعا إلى المساواة في الوصول إلى أحدث المعارف والرؤى المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، واقترح إنشاء لجنة علمية دولية مستقلة بشأن الذكاء الاصطناعي لسد فجوات المعرفة وإبلاغ القرارات السياسية.
كما أكد غوتيريش على الحاجة إلى حوكمة أخلاقية وآمنة ومأمونة للذكاء الاصطناعي. ودعا إلى حوار عالمي حول حوكمة الذكاء الاصطناعي لتطوير سياسات منسقة، ومشاركة أفضل الممارسات، وضمان التشغيل البيني.
وسلط الضوء على أهمية دعم البلدان النامية في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي من أجل التنمية المستدامة، وأعلن عن خطط لتقديم تقرير عن نماذج التمويل المبتكرة ومبادرات بناء القدرات لمساعدة الجنوب العالمي على تسخير الذكاء الاصطناعي من أجل الصالح العام.
وقال: "يجب أن تكون يد الإنسانية مسيطرة بقوة على التكنولوجيا. وبينما يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل عالمنا، يجب على كل دولة أن تساعد في تشكيل الذكاء الاصطناعي. معا، دعونا نضمن أن يخدم الذكاء الاصطناعي غرضه الأعلى: تعزيز التقدم البشري والمساواة والكرامة".
رسالة أمل
في معرض استخدام أسطورة "صندوق باندورا"، قال السيد غوتيريش إنه بعد هروب الأهوال من الصندوق، لم يبقى شيء فيه إلا الأمل، وقال: "هناك درس في هذا لزمننا. يجب ألا نفقد الأمل أبدا، وأن نعمل على رفع الغطاء عن هذا الأمل من خلال العمل لجعله حقيقيا، وللمساعدة في انتشاره، والتمسك بالمبادئ وقول الحقيقة وعدم الاستسلام أبدا. في عامنا الثمانين، دعونا نبني عالما أكثر سلاما وعدالة وازدهارا نعلم - على الرغم من كل شيء - أنه في متناول اليد".